الغش في الامتحانات .. كارثة التعليم!!

الغش في الامتحانات .. كارثة التعليم!!
الطلاب: المراقبون يتساهلون في قاعات الامتحانات
الإدارة العامة للامتحانات: التربية والتعليم لاتستطيع استئصال ظاهرة الغش بدون تعاون المجتمع
السبت - 27 - مايو - 2006 - تحقيق/ عبدالناصر الهلالي
لم تعد المذاكرة الوسيلة الوحيدة لتحقيق غاية النجاح في نهاية العام الدراسي، ولماذا التعب؟ طالما هناك أسلوب لتحقيق النجاح للطلاب عن طريق الغش، وبهذه الطريقة وحدها يتحقق أكثر من (06%) من نسبة النجاح -على حد قول أحد المدرسين في أمانة العاصمة- لم تكن هذه النسبة على سبيل المجازفة، بل من خلال تجربة المدرس داخل فصول الامتحانات النهائية لطلاب النقل بتعدد مستوياتهم، والمشاهد على ذلك كثيرة.
الطالب (ضيف الله) الصف السابع من المرحلة الأساسية: خرج من قاعة الامتحانات مسروراً، ولا تخلو من قسمات وجهه ابتسامة عريضة.
ضيف الله لايخفيني القول إن نسبة الغش كبيرة جداً في قاعة الامتحانات .. وشبه الوضع حينها بالفوضى، لأن طلاب القاعة معظمهم يبحثون عن الغش من زملائهم، ومن البراشم التي كانت بحوزتهم، وبعضهم لا يتحرج من إخراج صفحات قطعها مسبقاً من كتاب المادة التي يُجرى فيها الامتحانات .. غير أن ضيف الله يقول إنه لايغش كزملائه بل يغشّشهم كلما سنحت له الفرصة.
ويقول: «إن المدرسين المراقبين في القاعة يغضون الطرف عن محاولات الغش».
ويضيف: «إن بعض المراقبين يحثونهم على الغش بسرعة قبل أن يأتي أحد إداريي المدرسة»!!
وضاح؛ أيضاً: لاينكر أن الغش موجود لكن ليس بنفس الصورة التي رسمها زميله.
وجدت وضاح عقب خروجه من مدرسته الأهلية التي تقع على خط المطار، وبيده اليسرى عبارات كثيرة يقول: «إنها للغش، لكن سؤالاً لم يأت ما يتضمن إجابة مكتوبة على يده» .. وضاح حس بالحزن لأن ما كتب في يده لم يأت في الامتحان.
محاولات متكررة
> محاولات الغش في الامتحان النهائي لم تنته بمجرد تنبيه المدرس للطالب بكفه عن ذلك .. بل تكرر كثيراً، ومع كل محاولة غش يجد الطالب ما يرد به على ورقة الأسئلة، وإن كان ما يضمن به النجاح وتجاوز مرحلة من مراحل التعليم، ولا يهمه إن كان عن طريق الغش.
> إحدى الطالبات في الصف الأول الثانوي لاتأبه لتحذير الملاحظة في قاعة الامتحان بالرغم من تكرار التحذيرات طوال دقائق الامتحان، وعندما حاولت الملاحظة سحب ورقة الإجابة وضعت الطالبة (برشام) الغش في فمها وابتلعتها وأنكرت أنها غشت أصلاً، الأمر الذي اضطر المراقبة إلى العدول عن قرار سحب ورقة الإجابة رغم علمها المسبق أن الطالبة كررت محاولة الغش مراراً.
الأطفال أيضاً
> الغش لا يقتصر على طلاب مراحل ما بعد الصف السادس من التعليم الأساسي .. الصغار أيضاً لهم محاولاتهم في الغش.
> ربى - طالبة الصف الثاني من التعليم الأساسي - تقول: «إن زميلتها تغش من الطالبة التي تجلس بجانبها دون خوف من تخديرات المدرسة لها بعدم الغش».
اعتراف لا أكثر
> المراقبون في قاعات الامتحانات يكتشفون أن نسبة محاولات الغش كبيرة جداً، ويقول مدرس الانجليزي في إحدى مدارس الأمانة مصطفى الشرعبي: «إن الطالب بمجرد دخوله الفصل يبحث عن الغش بوسائل متعددة».
ويضيف: «إن سحب الكتاب على الطالب لا يعني أنه فقد بقية الوسائل، فالبدائل كثيرة لإنجاح محاولاته المتكررة في الغش ومن هذه البدائل الكتابة على الأيدي والبراشم، وغير ذلك الكثير من الوسائل التي يعتبروها ناجحة للغش».
ومبرر الطلاب في ذلك أن منعهم من الغش لا يجدي لأن الامتحانات في المرحلة الأخيرة للتعليم الأساسي، والمرحلة النهائية للثانوية العامة تجعلهم وجهاً لوجه مع الغش سواء بالوسائل السرية التي تعتمد على شطارة الطالب كما يقول أحدهم أو عن طريق دفع الفلوس للمراقب مع ضمان الغش لهم كما يقول آخر.
إجراءات المراقبين
غير أن هذه المبررات لا تمنع المدرسين المراقبين على الامتحانات من اتخاذ إجراءاتهم لمنع الغش.
يقول الشرعبي: «إن الإجراءات التي نتخذها لمنع الغش هو الإنذار في بداية الأمر، ومع تكرار الغش يتم سحب ورقة الإجابات لفترة بسيطة ثم يتم إرجاعها للطالب بعد ذلك»، السؤال الذي يشغل الكثيرين في كل عام هو: لماذا اللجوء إلى الغش؟
- يرد الشرعبي: «إن عدم اهتمام الطالب بالمذاكرة طوال العام الناتج من التشاؤم بالمستقبل هو أحد الأسباب للجوء الطالب إلى الغش».
ويضيف: «أن المدرس أيضاً سبب آخر في تسهيل عملية الغش للطلاب لعدم تحمله المسؤولية الكاملة تجاه التعليم بصفة عامة، ومبرره في ذلك أن نجاح الطالب في كلتا الحالتين الاجتهاد أو الغش لايحقق المستقبل الأفضل للطلاب».
ويعزي مدرس آخر سبب اللجوء للغش إلى «فشل الإدارة المدرسية بشكل عام في ضبط الغش، واتخاذ الإجراءات الفعالة للتخلص من هكذا وسيلة تلعب درواً سلبياً في فشل التعليم في المراحل الأساسية، والثانوية».
ويضيف: «إن الأمر بحاجة إلى اتخاذ إجراءات جماعية لمنع الغش من أسفل الهرم إلى أعلاه، لضمان نجاح العملية التعليمية الخالية من الغش، وعدم ركون الطلاب عليه».
الغش يحتاج إذاً إلى محاربة من كافة الجهات المعنية بالتربية والتعليم ابتداء من المدرس وحتى قيادات الوزارة بغير ذلك فإن التعليم سيزداد ضعفاً مع مرور السنوات.
فهل سيتم وأد هذه الوسيلة رغم انتشارها؟ شخصياً لاأظن ذلك في وضع تعليمي مهترئ أصلاً.
إجراءات لاتحد من الظاهرة
ويتفق معي الكثير من المر اقبين على وضعية الامتحانات المعتمدة على الغش، التربويون أيضاً لاينكرون وجود هذه الظاهرة لكن الجميع على مايبدو يجد صعوبة في إيجاد الحلول المناسبة في محاربة الظاهرة، ويعزز ذلك الأحاديث التي يدلي بها المختصون في وزارة التربية من أن هذا العام سيتم ضبط من يحاول الغش، ويطبق القانون عليه .. وهكذا في العام الماضي، والذي سبقه غير أن الأمر لايتعدى مجرد الكلام.
ولو عدنا إلى تلك التصريحات التي نشرت ضمن تحقيقات صحفية في الثورة العام الماضي لوجدنا أن نائب وزير التربية والتعليم الدكتور عبدالعزيز بن حبتور لاينفي وجود الغش في عدد من المواقع الامتحانية في بعض المحافظات، وقال بالحرف: «إن ما هو موجود حالات فردية، وعند ضبطها يطبق عليها القانون سواء كان الطالب أو المتسبب بالغش».
> الأمر يختلف بعد إجراء الامتحانات النهائية العام الماضي لدى وزير التربية الدكتور عبدالسلام الجوفي إذ قال: «إن العام الماضي شهد تقدماً ملموساً للحد من الغش، والجميع يشارك في محاربة الغش».
ويضيف: في تحقيق تقييمي نُشر العام الماضي بعد الامتحانات النهائية في صحيفة "الثورة": «أنه لو تمت المقارنة بين حالات الغش في الأعوام السابقة فإن هذا العام (المقصود العام الماضي) يسجل أفضلية، وخاصة في المحافظات التي سجل عليها حالات غش في العام قبل الماضي».
التساهل في الغش
أحاديث العام الماضي تلك لا أعتقد أنها تتفق مع ما هو جارٍ في امتحانات النقل لهذا العام من حالات غش.
وكما سلف القول: إن التربويين يتفقون معي كثيراً حول هذه الظاهرة الخطيرة، ويعتبر هؤلاء أن الإهمال لدى الطلاب في مراحل التعليم الأساسي سببه التساهل في امتحانات المرحلة النهائية من التعليم الأساسي، ويقول عبدالباسط نعمان -مدير مدرسة: «إن ظاهرة الغش يعتبرها الطالب حقوقاً من حقوقه».
ويضيف: «إن بعض المراكز الامتحانية تخصص لجاناً حسب طلب أولياء الأمر تكون متساهلة إلى حد ما في الغش».
ويعتبر نعمان أن امتحانات النقل تشهد أقل غشاً إذا ما قورنت بالامتحانات للمراحل النهائية من التعليم (التاسع، والثالث الثانوي).
الطالب الذي لايغش، والمراقب الذي لا يُفسح المجال للغش أصبحا حالة نادرة في الفصل الذي تجرى فيه الامتحانات.
ويحمل نعمان المسؤولية في الدرجة الأولى أولياء أمور الطلاب والتربية والتعليم على حد سواء.
من البديهي جداً أن تُحمل أولياء الأمور، والتربية والتعليم من بداية الهرم إلى أعلاه -كما سبق القول- لكن ماذا عن وزارة التربية والتعليم في محاربة الغش بشكل جدي هذا العام؟
> مرشد علي الجماعي -نائب مدير عام الامتحانات، رئيس اللجنة الأساسية لتنظيم المراقبة للشهادة الثانوية يرد بالقول: «إن الكثير من أولياء الأمور يشجعون أبناءهم على الغش، ويساهمون بقوة في زرعها، وما يدل على ذلك هو التجمهر في امتحانات الشهادتين الثانوية والأساسية، مع إعداد أنفسهم بالأسلحة وكل الوسائل التي توصلهم إلى وسيلة الغش».
الجماعي لا يعفي وزارة التربية من المسؤولية، غير أنه يقول: «إن التربية والتعليم لا تستطيع وحدها استئصال الظاهرة بدون التعاون من قبل المجتمع وعلى رأسهم أولياء الأمور».
ويضيف: «إن عدد الطلاب كثير جداً، وكذلك عدد الموظفين ولا تستطيع التربية والتعليم مراقبة كل ذلك، إذا لم يدرك الجميع أهمية كل فرد لمحاربة الغش».